تصريـــــح بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
تحيي التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 54/134 ، المؤرخ ب 17 ديسمبر 1999، ودعت عبره الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة، وجعله مناسبة للتحسيس بما يشكله العنف المبني على النوع من انتهاك صارخ لحقوق النساء والتعريف بمسؤولية الحكومات في وضع الاستراتيجيات واتخاذ التدابير اللازمة للقضاء عليه.
ويخلد العالم هذا اليوم في ظرفية لا زالت فيها هذه الآفة تشكل عائقا أساسيا أمام تقدم العديد من الدول. ولا زال العنف المبني على النوع بمختلف أصنافه، الاقتصادي والاجتماعي والرمزي وغيره…، وبتعدد أساليبه كالعنف الجسدي والجنسي والنفسي، مستشىريا بالاعتماد على التراتبية الاجتماعية التي يكرسها النظام الاجتماعي البطرياركي، وعلى عنف الأنظمة الاقتصادية السائدة المعتمدة بدورها على هذا الوضع لتعميق الاستغلال المركب للنساء على مختلف المستويات. ويتخذ العنف ضد النساء ــ في ظل احتداد الحروب والنزاعات المسلحة ــ أشكالا فظيعة كاستعمال الاغتصاب كسلاح حرب، والاتجار في النساء، واستغلال الانظمة الدولتية وغير الدولتية لأوضاع الهشاشة التي تعيشها النساء النازحات واللاجئات الهاربات وأطفالهن من جحيم الحروب والاقتتال.
إن التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، وهي تعبر عن تضامنها مع كل نساء العالم ضحايا العنف والتمييز، وتحيي الحركة النسائية العالمية في نضالها الجبار من أجل كرامة النساء وحقهن في الأمن والسلامة البدنية سواء في الفضاء العام أو الخاص، فإنها تقف بشكل أدق عند أوضاع المرأة المغاربية وماحققته من مكاسب، وعند التحديات التي لازالت تنتصب أمامها في معركتها من أجل القضاء على العنف ضد النساء. وفي هذا الإطار تقف عند التناقض الصارخ الذي تعرفه المنطقة ما بين، من جهة، الإنجاز التاريخي للحركة النسائية والحقوقية التونسية المتجسد في تصويت مجلس نواب الشعب بالاجماع على قانون متقدم لحماية النساء من العنف الذي يكرس موقع الريادة الذي تحتله تونس في مجال حقوق المرأة بالمنطقة، والذي يشكل مكسبا مهما يجب ان يحتدى به من طرف الحكومات المغاربية، ومن جهة أخرى الفظاعات التي تشهدها ليبيا فيما يخص استعباد المهاجرات والمهاجرين وانتشار جرائم الاتجار في البشر الذي تابعته الصحافة من خلال صور هزت مشاعر كل أحرار العالم وتضعهم أمام مسؤوليات كبيرة للتحرك العاجل والفعال ضد هذه البشاعات التي ترجع البشرية قرونا إلى الماضي.
وبخصوص النساء المهاجرات في باقي البلدان المغاربية، فمعاناتهن تكاد تكون متشابهة من خلال ما يتعرضن له من عنف وتهميش وممارسات تمييزية تصل حد العنصرية في العديد من الحالات. إذ لازالت قضية الهجرة غير النظامية تشكل ورقة للتفاوض مع أوربا في ظل اشتداد سياستها في مجال الهجرة والاعتماد على دول الجنوب لتطبيقها، مما يجعل النساء ــ سواء كنساء أو كأمهات يرافقهن أطفالهن ــ الحلقة الأضعف، ويتلقين بذلك النصيب الأوفر مما ينتج من تلك السياسات من انتهاكات سافرة للحقوق الأساسية للمهاجرين التي تضمنها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وفي ظل هذه التناقضات والمفارقات وفي وجه الصعوبات المتزايدة والتحديات الكثيرة تخوض الحركة النسائية والحقوقية المغاربية معارك متواصلة ونضالات مريرة من أجل جعل حد للعنف الموجه للنساء وحمل الدول المغاربية على صون كرامتهن التي تشكل أساسا لكرامة المجتمع ككل.
ففي موريتانيا، وقفت الجمعيات النسائية والحقوقية على ما تعيشه النساء من أوضاع الفقر والأمية، واستمرار عادات وتقاليد مهينة للنساء خاصة في الأوساط المعوزة والمهمشة، تنعكس عليهن بشتى أنواع العنف الذي تفاقم وتعمق في السنوات الأخيرة، تجلى ذلك في تزايد الاعتداءات الجسدية والاغتصابات وجرائم القتل التي تذهب ضحيتها المرأة، مما يضع النساء عموما في وضعية الخوف والقلق من غياب الأمن والأمان، خاصة في عاصمة البلاد. ووقفت جمعية النساء المعيلات للأسر، العضو في التنسيقية، في تقريرها المقدم في الاجتماع الأخير لمجلس التنسيقية، على استمرار التمييز ضد النساء الموريتانيات بخصوص حقهن في إعطاء الجنسية لأزواجهن الأجانب وأطفالهن، كما وقفت عند الأرقام المهولة لحالات الاغتصاب والعنف الزوجي وتشغيل الطفلات في البيوت والاعتداء عليهن، والتزويج القسري للقاصرات، وكذا استمرار حالات العبودية التي تتحمل النساء بشكل أشد أثارها وتحتلن واجهة النضال ضدها ومقاومتها. كما سجلت انشغالها العميق بتفاقم هذه الأوضاع بسبب سيادة الإفلات من العقاب وغياب تشريعات تعاقب على العنف الزوجي وعدم تنفيذ القوانين الموجودة على علاتها.
وتسجل التنسيقية إيجابية طرح مشروع قانون لحماية النساء من العنف من طرف الحكومة، وتساند جهود الحركة الحقوقية والنسائية الموريتانية المتواصلة من أجل تحسينه وتطويره ليصبح آلية فعالة للوقاية والحماية من العنف المبني على النوع، ووسيلة لتحسيس المجتمع بأهمية وضرورة انخراط الجميع لمواجهة هذه الآفة لما تشكله من ضرر للمجتمع ككل، وعرقلة لأي تقدم أو تطور.
وتعبر التنسيقية عن اعتزازها بالنضال الجبار للنساء الموريتانيات، وتحديهن للشروط الصعبة التي يتحركن فيها، وللمخاطر التي يواجهنها بسبب وقوفهن ضد الثقافة التمييزية اتجاه المرأة المنغرىسة في المجتمع، وتعبر لهن التنسيقية عن المساندة والتضامن ضد ما يتعرضن له من تهديدات وضغوطات لحملهن على التخلي عن نضالهن، مؤكدة على أن صمودهن هو الكفيل بتغيير هذه الاوضاع وتحقيق مجتمع المساواة والكرامة للنساء في موريتانيا.
وفي المغرب، تستعد الحركة النسائية والحقوقية لتخليد هذا اليوم في ظل الفاجعة التي اهتز لها الرأي العام الوطني وتابعها الإعلام الدولي، المتجسدة في وفاة أكثر من 15 امرأة، يوم 19 نونبر 2017 في قرية سيدي بولعلام، بسبب التدافع من أجل الحصول على إعانات غذائية بسيطة، مما جعل قضية تأنيث الفقر ــ باعتبارها من أشد أشكال العنف المبني على النوع ــ تطفو على السطح من جديد، وتبرز بشاعة العنف الاقتصادي الموجه للنساء من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية تنتج الفقر والحرمان والأمية والجهل، بعيدا عن التزامات المغرب في مجال النهوض بأوضاع النساء المترتبة عن تصديقه على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهم حقوق النساء وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية بشأن مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة. لهذا تظل ثلث النساء أميات، ونسبة النشاط وسط النساء تتراجع، والتمييز بين الجنسين في الأجور لازال سائدا، ومؤشرات حقوق الصحة الجنسية للنساء متأخرة رغم تحسنها نسبيا، واستمرار العنف ضد المرأة، بما فيه العنف الزوجي والأسري عامة، مما يكرس واقعا مكبلا لأي تقدم للمجتمع. كما تستمر النساء المغربيات في تلقي أشد مظاهر العنف والإهانة والاستغلال في بعض دول الخليج اللتي يلجأن لها للعمل البيتي.
ويتزامن تخليد اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الموجه للنساء هذه السنة مع المعركة التي تخوضها الحركة النسائية والحقوقية، من أجل إرجاع مشروع قانون حماية النساء من العنف المطروح على البرلمان إلى النقاش العمومي، وتغييره بقانون يتماشى مع ما ينص عليه الإعلان العالمي لحماية المرأة من العنف، بإشراك الحركة النسائية والحقوقية.
والتنسيقية، وهي تقدم أصدق عبارات التعازي لأسر ضحايا فاجعة قرية سيدي بولعلام، فإنها :
· تعتبر أن المسؤولية في ذلك تعود إلى الانتهاك الصارخ للحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين وللسياسات التي تنتج الفقر والتهميش والتمييز الجنسي والمجالي.
· تطالب السلطات المغربية بجعل حد لسياسة التفقير والتجويع التي تمارسها والتي تعد أشد أنواع العنف الممارس ضد مواطنيها وضد مواطناتها بشكل خاص.
· كما تعبر عن تضامنها مع الحركة النسائية والحقوقية المغربية في نضالها من أجل قانون يحمي النساء من العنف وفي مطلبها بإعادة المشروع الحالي إلى الحوار وملاءمته مع ما تنص عليه المرجعية الكونية لحقوق الإنسان في مجال حماية النساء من العنف.
وفي الجزائر، رغم صدور قانون يحمي النساء من العنف منذ سنتين، فإنه لم يجعل حدا لهذه الآفة نظرا للعيوب الكثيرة التي يتضمنها، ومن أبرزها مسألة الصفح، التي تمكن المعتدي من الإفلات من العقاب في حالة تنازل ضحيته عن متابعته. كما أن الاغتصاب الزوجي يظل خارج الجرائم التي يعاقب عليها هذا القانون. ويعرقل ثقل الثقافة البطرياركية تمتع النساء ببعض الحقوق المتوفرة في التشريعات، حيث تتلقى النساء العنف الزوجي والأسري في صمت خوفا من ردود فعل محيطهن العائلي، أو فقط لضعف الضمانات القانونية أو أيضا لغياب الإمكانيات الاقتصادية لدى الضحية وعدم توفر آليات التكفل بالضحايا.
ورغم أن الجزائر تقدم أحسن المؤشرات في المنطقة المغاربية كأقل نسب العنف الجسدي ضد النساء، وانخفاض نسب تزويج القاصرات، وارتفاع سن الزواج المحدد في 19 سنة، وضمان حق المرأة الجزائرية في إعطاء الجنسية لزوجها الأجنبي، فإنه لازال هناك إرث العشرية السوداء حاضرا خاصة مع تأخر الدولة الجزائرية في الاعتراف بضحايا الاغتصابات خلالها كضحايا الإرهاب، الشيء الذي لم يتم إلا سنة 2014. ولازالت نتائج تلك الجرائم تؤثر على موقع النساء في المجال الاقتصادي بسبب إقصائهن من المجال العام خلال تلك الفترة، كما تؤثر على صورتهن في المجتمع مما يعمق النظرة الدونية المكبلة لهن والماسة بحقوقهن، ويشكل عاملا مكرسا لاستمرار العنف ضدهن.
وفي تونس، تخلد الحركة النسائية اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في أجواء الانتصار الذي حققته بمصادقة مجلس نواب الشعب بالإجماع على قانون حماية النساء من العنف الذي يعتبر قانونا متقدما، نظرا لاعتماده مفهوما للعنف يتماشى مع ما هو منصوص عليه في المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، ونظرا لما جاء فيه من ضمانات للنساء المعرضات للعنف، من آليات التكفل بالضحايا، وعدم إفلات المعتدي من العقاب، والرفع من العقوبات بشكل ملموس ضد المتحرش على المرأة في الشارع أو في أماكن العمل، والرفع من العقوبة ضد المغتصب التي تصل إلى 20 سنة، وحماية القاصرين والقاصرات من الاعتداءات الجنسية، كما يطرح القانون ضرورة الإصلاحات التربوية لإدماج التربية على المساواة في منظومة التعليم، والتحسيس بضرورة مناهضة العنف ضد النساء في المجتمع ككل…
والتنسيقية، إذ تهنئ الحركة النسائية والحقوقية، ومجمل القوى التي ساهمت في إخراج هذا القانون إلى الوجود، على هذا الإنجاز:
· تطالب الحكومة التونسية باتخاذ جميع التدابير لتوفير شروط أجرأة مضامين هذا القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ ستة أشهر بعد التصويت عليه.
· تجدد دعمها للحركة النسائية والحقوقية في ما ينتظرها من مهام لحماية الإنجازات المحققة من التعطيل، ولانتزاع المزيد من المكاسب، وفي مقدمتها معركة إخراج النصوص التطبيقية لهذا القانون بما يعزز الضمانات التي جاء بها.
· تعبر عن مساندتها لنضالات النساء التونسيات ضد العنف الاقتصادي الذي لازلن يتعرضن له وخاصة المنتميات منهن للمجال القروي، وللفئات الاجتماعية الفقيرة والمعرضات للهشاشة…
وفي ليبيا، حيث تخوض الجمعيات النسائية والحقوقية نضالا مريرا ضد الانتهاكات الجسيمة التي تمارس ضد المواطنين والمواطنات ـــ وخاصة جرائم الاتجار في البشر التي كشفتها الصحافة المواطنة مؤخرا، والتي استهدفت المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء ـــ فإن النساء يتلقين بشكل أشد نتائج الأوضاع الأمنية المتدهورة من خلال استهدافهن من طرف الجماعات المسلحة، وتعرضهن للاغتصاب الذي يستعمل كوسيلة حرب، وفرض قوانين عنيفة ضدهن في بعض المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية وتوظيف الدين لتبريرها.
والتنسيقية التي تتابع باهتمام كبير الأوضاع الحقوقية الصعبة في ليبيا، تعبر عن تضامنها مع النساء الليبيات في نضالهن من أجل التصدي للعنف الناتج عن الأوضاع الأمنية المتدهورة، وتحيي صمود المجتمع المدني في مختلف المدن التي يشتغل فيها من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، كما تحيي الجمعيات النسائية على حرصها على مشاركة المرأة في بناء الأمن والسلام كشرط لتحقيق سلم عادل ومستدام.
وفي المهجر، تخوض النساء المغاربيات، والمنحدرات من أصول مغاربية، نضالا مريرا ضد العنف الممارس ضدهن على عدة جبهات، عنف السياسات المتشددة ضد المهاجرين خاصة الذين لم تسو أوضاعهم بعد والذين أصبح عدد النساء وسطهم في تزايد، وعنف الممارسات العنصرية التي تتعمق كلما احتدت الأزمة الاقتصادية، وعنف النظرة الدونية للنساء في مجتمع لازالت فيه نسبة حالات العنف الموجه للنساء التي تصل إلى القضاء جد ضئيلة، ثم عنف العقليات الذكورية المتحجرة السائدة وسط الأسر المغاربية ووسط الأحياء التي يقطنها المهاجرون والمنحدرون من أسر المهاجرين، والتي تتعرض فيها النساء لنفس النظرة التمييزية والاحتقارية التي يعشنها في مجتمعاتهن الأصلية.
وإن التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، وهي تتابع باعتزاز العمل النضالي المتميز لجمعيات الهجرة وفي مقدمتها المنتمية للتنسيقية :
· تعبر عن تضامنها مع النساء في المهجر ضد ما يتعرضن له من عنف مركب؛
· تطالب سلطات بلدان الاستقبال بجعل حد للسياسات التمييزية ضدهن، وحمايتهن من العنف المسلط عليهن، وخاصة منه الناتج عن استشراء مشاعر العداء للأجانب، وكراهيىة الإسلام التي تؤدي النساء ثمنها بشكل أكبر بالنظر إلى ما ترتب عن قوانين منع الحجاب ببعض الدول الأوربية من ممارسات وسلوكات عنيفة ضدهن؛
· تطالب الدول المغاربية بحماية مواطناتها ضد كل أشكال العنف الذي يتعرضن له سواء في دول المهجر أو في بلدانهن الأصلية.
وفي الختام، تدعو التنسيقية جميع المنظمات العضوة إلى الانخراط الفعال في الحملة الدولية التي تدعو لها الأمم المتحدة كل سنة من أجل القضاء على العنف ضد النساء، من 25 نونبر إلى 10 دجنبر، والتي تنظم هذه السنة تحت شعار : « دون استثناء أحد، لا للعنف ضد النساء والفتيات » والذي يستهدف، بشكل خاص، فئات النساء المعرضات للهشاشة.
سكرتارية التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان
الرباط، في 2
4
نونبر 2017